تحل اليوم السبت 13 سبتمبر ذكرى وفاة سراج منير، أحد أعمدة السينما المصرية في زمنها الذهبي، وصاحب الملامح المميزة التي جمعت بين الهيبة والأناقة والوقار.
ولد الفنان القدير في 15 يوليو 1904، ورحل عن عمر ناهز 53 عامًا إثر أزمة قلبية مفاجئة في عام 1957، بعد أن قدّم رصيدًا فنيًا تجاوز 130 عملًا ما بين السينما والمسرح والإخراج، ليبقى اسمه حاضرًا في ذاكرة الأجيال حتى اليوم.
ذكرى وفاة سراج منير.. البداية والنشأة
جاءت ذكرى وفاة سراج منير لتعيد إلى الأذهان قصة فنان من طراز خاص، وُلد باسم “سراج منير عبد الوهاب” في حي شبرا بالقاهرة، وسط أسرة مثقفة، حيث كان والده موظفًا بوزارة المعارف، محبًا للثقافة والكتب، وهو ما انعكس على شخصية ابنه.
الطريف أن والده سماه “سراج” بينما أراد جده أن يكون اسمه “منير”، ولإنهاء الخلاف أطلقت والدته عليه الاسمين معًا، فصار “سراج منير” الاسم الذي عرفه به الجمهور.
منذ سنوات الدراسة، شارك سراج في فريق التمثيل المدرسي، لكن والده لم يكن متحمسًا لفكرة دخوله المجال الفني، ومع ذلك فإن موهبته سرعان ما برزت وجذبته الأقدار نحو الفن، وإن كان حلمه الأول هو دراسة الطب.
سراج منير.
رحلة إلى ألمانيا وبداية الحلم الفني
شدّ سراج الرحال إلى ألمانيا لدراسة الطب بعد الثانوية، وهناك اكتشف شغفه الحقيقي بالسينما، شارك في بعض الأفلام الصامتة، وتأثر بشدة بأجواء الاستوديوهات، وأثناء تواجده هناك، تعرّف على المخرج المصري محمد كريم، الذي كان يدرس السينما أيضًا، لتبدأ صداقتهما التي أثمرت لاحقًا عن أعمال ناجحة في مصر.
عاد سراج إلى وطنه قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بقليل، ولو تأخر في العودة لكان مصيره الأسر أو الهلاك وسط أحداث الحرب، هذه العودة أنقذت حياته وفتحت له الباب ليكون واحدًا من فرسان الشاشة الفضية.
سراج منير وفرسان المسرح
بعد عودته إلى مصر، انضم سراج منير إلى فرقة يوسف وهبي، ثم عمل مع فرقة نجيب الريحاني المسرحية، أثبت وجوده كممثل قادر على تجسيد مختلف الأدوار؛ من الشرير الأرستقراطي إلى الرومانسي الحالم، وصولًا إلى الكوميدي الطريف.
من أبرز أعماله السينمائية “أمير الانتقام”، “ليلة الحنة”، “الشاطر حسن”، “سيدة القطار”، و”لحن الخلود”، وخلال مسيرته شارك في 138 عملًا بين السينما والمسرح، كما خاض تجربة الإخراج المسرحي، حيث أخرج 5 مسرحيات، كان آخرها “اللي يعيش يا ما يشوف” عام 1956.
الإفلاس بعد “حكم قراقوش”
لم يكن مشوار سراج منير كله نجاحًا فنيًا، بل عرف أيضًا طعم الخسارة، إذ قرر أن يخوض تجربة الإنتاج المسرحي لأول مرة بمسرحية “حكم قراقوش”، لكنه خسر نحو 30 ألف جنيه في ذلك الوقت، وهو مبلغ ضخم أدى إلى إفلاسه، ومع ذلك لم يستسلم، بل واصل مسيرته كممثل بارع، مؤكّدًا أن الفن بالنسبة له رسالة لا مجرد تجارة.
الحب والزواج مع ميمي شكيب
ارتبط سراج منير بالفنانة ميمي شكيب، في واحدة من أشهر الزيجات الفنية في الوسط الفني، جمعهما حب كبير ظل حاضرًا حتى آخر أيام حياته، كانت ميمي سندًا قويًا له في أزماته، وظلّت وفية له بعد رحيله.
سراج منير.
المرض والرحيل المفاجئ
رغم نجوميته الكبيرة، فإن المرض لم يمهله طويلًا. فقد عانى سراج منير من مشاكل في القلب، ونصحه الأطباء بالراحة والابتعاد عن المجهود الزائد. لكنه، كعاشق للفن، لم يتوقف عن العمل.
في 13 سبتمبر 1957، وبعد عودته من الإسكندرية مع فرقة نجيب الريحاني، شعر بتعب مفاجئ، تناول كوب ماء بارد ثم صعد إلى غرفته ليستريح، لكنه لم يستيقظ بعدها. رحل عن 53 عامًا تاركًا وراءه إرثًا لا يُنسى، ليصبح خبر وفاته صدمة كبيرة لجمهوره وزملائه.
سراج منير.. فنان متعدد الأوجه
أحد أسباب استمرار اسم سراج منير حتى اليوم هو قدرته على التنوع في أدواره، لم يُحصر نفسه في قالب واحد، بل تنقّل بين الشخصيات بخفة وصدق، أبدع في أدوار الأرستقراطي الأنيق، كما أبدع في تجسيد الشرير، ولم يتردد في تقديم الكوميديا أو الرومانسية. تلك المرونة جعلته أيقونة يصعب تكرارها.
العائلة الفنية والإرث الكبير
لم يكن سراج منير وحده من ينتمي إلى الوسط الفني، فشقيقاه هما المخرج الكبير فطين عبد الوهاب، والفنان حسن عبد الوهاب، وقد شكلوا معًا عائلة فنية ساهمت في صناعة ملامح السينما المصرية الكلاسيكية.
بوفاته، فقدت السينما المصرية واحدًا من أبرز وجوهها، لكن أعماله ظلت تعيش بين الناس، فما زالت أفلامه تُعرض حتى اليوم على الشاشات، شاهدة على موهبته الفذة وحضوره الطاغي.
تظل ذكراه حية في قلوب محبيه، ويتذكره الجميع بشغف وحب، حيث يعتبر رمزًا للفن الأصيل الذي أثرى الثقافة المصرية.
لا يزال هناك الكثير من القصص والمواقف التي تعكس إنسانيته، مما يجعل من سراج منير نموذجًا يحتذى به في عالم الفن.