كيف تحتاج الهند إلى الصين رغم الصراع التاريخي

الهند والصين دولتان تجمعهما علاقة متشابكة تجمع بين التنافس الإقليمي والتعاون الاقتصادي، فهما أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان، وتاريخياً خاضتا حرباً حدودية في عام 1962، ولا تزال الخلافات قائمة حول مناطق متنازع عليها مثل أروناتشال براديش وأكساي تشين.

ورغم الاشتباكات الدموية التي اندلعت في 2020 وأدت إلى سقوط جنود من الطرفين، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين لم تتوقف، بل شهدت نمواً مستمراً.

التجارة بين الهند والصين.. اقتصاد يتحدى السياسة

  • بلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 127 مليار دولار في 2024
  • تمثل الصادرات الصينية إلى الهند النسبة الأكبر، بواقع 109 مليارات دولار
  • الصين أصبحت ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة

هذه الأرقام تكشف أن الخلافات السياسية والعسكرية لم تمنع الهند من الاعتماد على السوق الصينية لتوفير المواد الخام والتقنيات اللازمة لتحقيق طموحاتها الصناعية.

لماذا تحتاج الهند إلى الصين؟

الهند تسعى لأن تصبح مركزاً صناعياً وتكنولوجياً عالمياً، لكنها ما زالت تفتقر للبنية التحتية الصناعية المتقدمة والخبرات التقنية المتخصصة. هنا يبرز الدور الصيني:

  1. التكنولوجيا والإلكترونيات
    • استوردت الهند معدات وأجهزة إلكترونية بقيمة 48 مليار دولار من الصين في 2024
    • تعتمد صناعة الهواتف الذكية وشبكات الاتصالات في الهند بشكل أساسي على المكونات الصينية
  2. القطاع الدوائي
    • على الرغم من أن الهند تُلقب بـ”صيدلية العالم”، فإنها تعتمد على الصين في استيراد غالبية المكونات الدوائية الفعالة اللازمة للإنتاج
  3. المعادن النادرة والطاقة النظيفة
    • الصين تحتكر إنتاج المغناطيسات الأرضية النادرة، وهي عنصر أساسي في تصنيع السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والتوربينات
    • القيود الصينية على تصدير هذه المعادن تهدد بشكل مباشر خطط الهند للتحول إلى الطاقة النظيفة
  4. البطاريات والسيارات الكهربائية
    • شركات هندية كبرى مثل مجموعة “أداني” و”JSW” تبحث عن شراكات مع شركات صينية مثل BYD وCATL لتطوير بطاريات السيارات الكهربائية

لماذا تحتاج الصين إلى الهند؟

من جانبها، لا تستطيع بكين تجاهل السوق الهندية الهائلة:

  1. سوق استهلاكية ضخمة
    • باعت الهند نحو 156 مليون هاتف ذكي في 2024
    • تسيطر الشركات الصينية مثل شاومي وفيفو وأوبو على غالبية المبيعات
  2. القطاع الصناعي والسيارات
    • الهند ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، حيث بيعت 4.3 مليون سيارة ركاب في 2024
    • شركة BYD الصينية أعلنت عن خطط للاستحواذ على 40% من السوق الهندية للسيارات الكهربائية
  3. الاستثمارات التقنية
    • شركات مثل علي بابا وتنسينت استثمرت مليارات الدولارات في شركات ناشئة هندية مثل Paytm وZomato وByju’s
    • هذه الاستثمارات سمحت للصين بالوصول إلى الاقتصاد الرقمي الأسرع نمواً في العالم

الضغوط الأمريكية تعيد رسم العلاقات

مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض واتباعه سياسة تجارية متشددة تجاه الهند، فرضت واشنطن رسوماً جمركية عالية وانتقدت نيودلهي بسبب مشترياتها من النفط الروسي، وهذا جعل الهند والصين تقفان في موقف متقارب أمام الضغوط الأميركية، ما دفعهما إلى تسريع محاولات إصلاح العلاقات.

دلائل على ذوبان الجليد بين الجانبين

  • استئناف الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى بين وزراء خارجية البلدين
  • تخفيف الصين قيودها على صادرات اليوريا إلى الهند
  • عودة منح التأشيرات السياحية للمواطنين الصينيين
  • استعداد شركات الطيران لاستعادة الرحلات المباشرة بين بكين ونيودلهي

كما يستعد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لزيارة الصين لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون في 31 أغسطس، وهي أول زيارة له منذ سبع سنوات.

هل التقارب الهندي الصيني دائم أم مؤقت؟

على الرغم من مؤشرات الانفراج، فإن هناك عدة أسباب تدعو للتشكيك في استقرار هذا التقارب:

  • ذكريات الاشتباكات الحدودية في 2020 ما تزال عالقة في الذاكرة الوطنية للبلدين
  • القيود الهندية على الاستثمارات والتكنولوجيا الصينية لم تُرفع بالكامل
  • حذر بكين من مشاركة خبراتها الصناعية مع الهند خوفاً من أن تتحول الأخيرة إلى منافس عالمي مباشر
  • التعاون بين الهند والصين قد يتعزز في مجالات جديدة مثل الطاقة المتجددة والتقنيات الحديثة
  • تسعى الدولتان إلى تحقيق الاستقرار في العلاقات الاقتصادية من خلال تعزيز الشراكات التجارية