كتب صبري ممدوح:
في الرابع عشر من أكتوبر، أصدرت الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة السابقة قرارًا بتولي أحمد بهي الدين العساسي رئاسة الهيئة المصرية العامة للكتاب، بعد مجيئه من الجامعة إلى الهيئة كنائب للرئيس عام 2019 بتوصية من الدكتور أحمد مرسي
والمدهش في الأمر أنه في الوقت الذي شغل فيه منصب نائب الرئيس، كان يعمل أيضًا مستشارًا لهيئة الشارقة للتراث، الأمر الذي يمثل تضاربًا واضحًا في المصالح.
رحلات مكوكية بين الشارقة والقاهرة
منذ توليه رئاسة الهيئة، بدأت رحلات مكوكية مريبة بين الشارقة والقاهرة، سواء منه أو إليه.
ففي أي ندوة تقام في مصر للدكتور عبد العزيز المسلمي رئيس هيئة الشارقة للتراث، يكون العساسي متحدثًا فيها، كما أصدر كتابين في سنتين متتاليتين من هيئة الشارقة للتراث، وكل كتاب يدر عليه آلاف الدولارات كمكافأة.
اختفاء القوائم السنوية وادعاءات كاذبة
في آخر عامين من رئاسة العساسي، اختفت القوائم السنوية للإصدارات التي اعتادت هيئة الكتاب على نشرها لإطلاع الجمهور على الإصدارات الجديدة.
رغم ذلك، يصرح للصحفيين كل عام أنه يطبع 400 إصدار، وهو ادعاء يثبت الواقع عكسه، لكن المحررين الثقافيين ينقلون الكلام عن المركز الإعلامي داخل الهيئة دون تدقيق.
مسح قناة اليوتيوب.. تدمير للتراث الثقافي
من أكثر القرارات إثارة للجدل قيام العساسي بمسح قناة اليوتيوب الخاصة بالهيئة بالكامل، إهدار للجهد الذي بذله فنيون وكتاب ومثقفون، ولقاءات مهمة كانت تمثل تراثًا ثقافيًا حقيقيًا. كل هذا تم مسحه بحجة أن القناة تعرضت للاختراق، وهي حجة واهية لا تبرر هذا التدمير المنهجي للمحتوى الثقافي.
كما تم إيقاف منصة المعرض التي كان قد عمل على إنشائها كثير من التقنيين والمتابعين لتقف على أرض صلبة، لكن مع الأسف تم وقفها دون مبررات واضحة.
صفقة الشركة المتحدة.. أسئلة بلا أجوبة
عندما شوهد على القناة الوثائقية التابعة للشركة المتحدة بعض لقاءات المثقفين في معرض الكتاب التي تعود للثمانينات وأوائل التسعينيات، كانت خطوة إيجابية وبالتأكيد تحسب للشركة المتحدة في إحياء هذا التراث الثقافي.
لكن السؤال المحوري: هل تم التوافق بين هيئة الكتاب والشركة المتحدة على حقوق الملكية الفكرية وحق البث العلني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين أثر هذه الصفقة على ميزانية الهيئة؟
وفقًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بخصوص حرية الرأي، من حقنا أن نسأل عن تفاصيل هذا التعاون. فمن حق هيئة الكتاب وموظفيها والمثقفين فيها أن يروا أثر هذه الصفقة على الميزانية، ولدينا اسئلة مشروعة وهي: هل ارتفع عدد العاملين في المطابع لتغطية متطلبات الطباعة؟
هل ارتفع عدد الإصدارات داخل الهيئة طوال عام من عقد هذه الصفقة؟
أين التفاصيل المالية لهذا التعاون؟
والحقيقة أن عدد الإصدارات الفعلي لا يتجاوز 80 إصدارًا، بينما يروج رئيس الهيئة أن الإصدارات تجاوزت 480، رغم عدم إصدار قائمة الإصدارات السنوية منذ توليه المنصب.
طبع ثم سحب
من المفارقات المؤلمة أن تصدر كتب من الهيئة المصرية العامة للكتاب ثم يتم رفعها من العرض بعد طباعتها. هنا يجب أن نسأل: لماذا تمت الموافقة على طبعها من الأساس؟ وكيف تتحمل الهيئة تكلفة لجنة القراءة والمراجعة ثم تكلفة الطباعة، ثم تقوم بإعدامها أو تخزينها في المخازن
الأمثلة على ذلك كثيرة، منها:
– كتاب “الهم السياسي في رواية المرأة العربية” للناقد شوقي عبد الحميد (إصدار 2024).
– كتاب “الخطاب النسوي في العالم الثالث” للدكتور إكرام البدوي (2024).
تقزيم دور الهيئة.. أرقام صادمة
تشهد الهيئة تراجعًا مؤسسيًا خطيرًا، حيث تم تقليص عدد العاملين في المطابع من 500 عامل قبل ثلاث سنوات إلى 150 عاملاً فقط.
كما توقفت مكتبة الأسرة منذ عام ونصف إلى عامين، والتي كانت تطبع في أواخر عهدها من ألف نسخة إلى خمسة آلاف نسخة للإصدار الواحد.
تفاوت صارخ في معاملة المؤلفين
بينما تطبع الإصدارات العامة والمجلات الخاصة بالهيئة من ألف نسخة إلى خمسة آلاف نسخة كحد أقصى، وتوقف مجلة “فنون” عن الطبع، نجد أن كتب الشيخ محمد مختار جمعة تطبع بخمسة آلاف نسخة لكل كتاب، مما يثير تساؤلات حول معايير الأولويات في النشر.
فضيحة صندوق التكافل
صندوق التكافل الخاص بالعاملين في هيئة الكتاب يمثل أهمية بالغة لكل عامل في المطابع، حيث تخرج منه مستحقات كثيرة. لكن المستندات المتوفرة تؤكد أن وديعة هذا الصندوق تم فكها وتحويلها إلى حساب جاري.
تشير مصادر إلى وجود وديعة أخرى كانت لمكتبة الأسرة تم فكها أيضًا، مما يستدعي سؤالاً مباشرًا لرئيس الهيئة: هل هناك فعلاً ودائع لمكتبة الأسرة وتم فكها؟
نتطرح هذه الوقائع تساؤلات جوهرية حول إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب في عهد الدكتور أحمد بهي الدين العساسي. من تضارب المصالح في بداية توليه المنصب، مرورًا بالعلاقات المشبوهة مع هيئات خارجية، وصولاً إلى التلاعب بأموال العمال وتدمير التراث الرقمي للهيئة.
إن “الهيئة المصرية العامة للكتاب” مؤسسة ثقافية عريقة والتي تمثل واجهة مصر الثقافية تستحق إدارة نزيهة وشفافة، وليس إدارة تثير كل هذه التساؤلات حول نزاهتها ومصداقيتها. الوقت قد حان للمساءلة الجدية قبل أن تفقد الهيئة ما تبقى من مكانتها الثقافية.
يجب على المعنيين بالثقافة أن يتخذوا خطوات جادة لإعادة الهيئة إلى مسارها الصحيح. فالثقافة المصرية تحتاج إلى دعم حقيقي وإدارة حكيمة تعيد لها بريقها وتأثيرها في المجتمع.
التغيير ضروري لتحقيق الأهداف المرجوة، ولضمان مستقبل ثقافي مشرق لمصر.