نتحدث بصراحة وبصدق لمرة واحدة فقط. الواقع يشهد الآن استمرار رئاسة علاء عبد الهادي لاتحاد الكتاب، لكن السؤال المحوري يبقى: لماذا اعتلى كرسي الاتحاد لمدة عشر سنوات كاملة؟ هل وصل واستمر لقوته المهولة، أم بسبب ضعف الكتاب أنفسهم؟
من المفارقات المدهشة أن نقابة اتحاد كتاب مصر، التي من المفترض أن تكون نقابة للرأي الحر، تحاسب كتّابها على انتقادهم لمجلس الإدارة ورئيسها، الذي يحوّل للتحقيق كل من تسوّل له نفسه انتقاد المجلس. فعلى سبيل المثال، تم تحويل الشاعر الكبير أحمد سويلم للتحقيق مؤخراً لمجرد نشره مقالين يطالب فيهما بتدخل الوزير.
لا أعلم أي جهة يمكن أن تمارس سلطة على اتحاد الكتاب إلا وزارة الثقافة. فإن اختلفنا نحن الكتاب بيننا وبين بعضنا البعض، فإلى أي جهة نلجأ؟
كان كلام الأستاذ أحمد سويلم منطقياً وموضوعياً، خاصة فيما يتعلق بعلاج الكتاب، لكنه يتم تحويله للتحقيق ثم إلى مجلس تأديبي ثم إلى الفصل النهائي. هذا هو السيناريو الذي يحدث مع جميع الكتاب.
في الوقت نفسه، يُصدّق رئيس الاتحاد على تأسيس فرع في بورسعيد، التي لا تحتشد بكم كبير من الكتاب ويبرر إنشاء فرع لها، ومارس خرق القانون بأمر شخصي منه شخصياً، ولا أريد أن أتحدث عن كم التجاوزات التي تحدث داخل الاتحاد، لأن التقارير والمقالات مليئة بتلك المخالفات والتجاوزات. لكننا معنيون هنا بذكر الآليات التحليلية التي يستخدمها رئيس الاتحاد للبقاء على الكرسي الرئاسي.
العامل الأول: فرّق تسُد
اعتاد مجلس الإدارة ورئيسه على تفريق الكتل من حولهم لاستقطابهم داخل رؤية الاتحاد، أو بالتعبير الصحيح لتبني رؤية رئيس الاتحاد، التي هي في الغالب مجرد حشد وبوق لذكر أنه “المفكر الكبير” و”الشاعر الكبير” و”دكتور الأدب” وبالتالي “أعظم ناقد”. كلها دباجات القصد منها الحشد والتمجيد باسمه، بعد أن تم سحب أمانة اتحاد كتاب العرب منه، ولم تتبق دول معه إلا تونس والسودان وليبيا من أصل 12 أو 13 كياناً مؤسسياً في الوطن العربي.
العامل الثاني: “كمَثَل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث”
تتناول الآية الكريمة حال من أعرض عن الحق ولم ينتفع بالآيات والعبر. والمعنى هنا أن الشخص، مهما وعظته وزجرته أو تركته وشأنه، فهو في ضلاله وحيرته، تماماً كالكلب الذي يلهث سواء حملت عليه أو تركته.
وليس هذا تشبيهاً لأحد بالكلب – الله سبحانه وتعالى شبّه من أعرض عن الحق بالكلب “إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث” – حتى لا تذهب الظنون إلى تشبيهات ترمي إيحاءات بالسب والقدح. المدار هنا أن الحق داخل الاتحاد ضاع، ومهما ذكّرت أو وعظت المسؤولين داخله فهم في إعراض تام عن الحق، كما لو أنها آلية ومتلازمة لهؤلاء تجاه ما يفعلونه مع الأعضاء.
حتى الأحكام القضائية تم تجاهلها تماماً. فمن واجب الاتحاد احترام القانون، لدينا أحكام قضائية من الكاتب عماد النشار والكاتب والشاعر محمد ثابت والكاتب حمدي البطران والمترجم فاروق عبد الله، إلا أن هناك عدم احترام تام للقانون. فكيف لشخص يدّعي بلد نيوز والاستنارة ألا يحترم القانون؟
العامل الثالث: “إذا أردت أن تميت قضية فأنشئ لها لجنة”
كمية اللجان التي أفرزها لنا علاء عبد الهادي غير طبيعية، فهي تقترب من الأربع والعشرين لجنة، كلها مجاملات وكلها مستقطعات مالية لهذه المجاملات وتجاوزات، حتى وصلت بنا الحال إلى أسماء غريبة وغير مفهومة مثل “كيف تكون الثقافة مستدامة” وأشياء غريبة أخرى، حتى وصل بهم الحال إلى عنوان ندوة “دكتور لطيب الأدب العربي”.
اللجان يا سادة هي العظمة التي يلقيها رئيس الاتحاد لمن حوله، واللجان التي تحقق مع الكتاب الذين يريد فصلهم لجان باطلة، لأنه لا يحضر فيها مستشار وزير الثقافة منذ إيناس عبد الدايم وحتى الآن.
العامل الرابع: نرسيس ليس جميلاً كما ظن
لقد غذّى رئيس الاتحاد الأنا العليا للكتاب والكاتبات، وجعلهم يعتقدون أن الانتماء لاتحاد الكتاب هو مبلغ ذروة الإبداع، وكأن الإبداع موجود فقط داخل اتحاد الكتاب. ضمّ عضويات لكتاب وكاتبات دون المستوى، فظهرت الأنا العليا متجلية منهم، فلعب بها وحظوا بشيء من الشهرة.
ولا أريد أن أنسى فضيحة الشاعر الذي سرق من نزار قباني وخدع أعضاء لجنة القيد، وتم تقييده في اتحاد الكتاب حتى انكشف الموضوع.
العامل الخامس: “مدعوم من جهة ما”
هذه هي الدباجة للجملة التي يقولها دائماً أنه “مدعوم من جهة ما”، حتى يخيف أعضاء المجلس والأعضاء العاملين.
لا أعرف مدى هذا الدعم ولا قوته، وكأنه محصن ضد كل شيء: محصن ضد أوامر القانون، ومحصن ضد سلطة الكلمة، ومحصن ضد كل شيء، حتى وصل به الحال أن يتاجر في علاج الكتاب.
ماذا نفعل نحن؟
تلك كانت بعض الآليات التي يلعب عليها رئيس الاتحاد لضمان بقائه على كرسي الرئاسة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا نفعل نحن الكتاب في مواجهة هذا الواقع المؤلم؟
الإجابة تتطلب تضافر الجهود وتوحيد الصفوف بين الكتاب الشرفاء، والعمل على فضح هذه الممارسات أمام الرأي العام والجهات المختصة، خاصة وزارة الثقافة التي تُعتبر الجهة الرقابية الوحيدة على عمل الاتحاد.
كما يتطلب الأمر العمل على إيجاد بدائل حقيقية تحترم القانون وتقدر الكلمة والمبدعين، بعيداً عن المحسوبية والفساد الإداري الذي ينخر جسد هذه المؤسسة العريقة.
إن صمتنا على هذا الوضع المتردي لن يفيد إلا في استمرار هذه الممارسات، وعلينا جميعاً أن نتحمل مسؤوليتنا في إصلاح الحال أو على الأقل في عدم السكوت عنه.
يجب أن نعيد التفكير في دورنا ككتاب وأن نستخدم أصواتنا في الدفاع عن حقوقنا. فالتغيير يبدأ من الوعي الجماعي والتضامن بين الأعضاء. لنقف معاً من أجل إعادة بناء اتحاد يضمن حرية التعبير ويعزز من مكانة الأدب في مصر.
علينا أن نكون حذرين ونراقب تلك الممارسات عن كثب، وأن نعمل على نشر الوعي بين الأجيال القادمة من الكتاب حول أهمية الشفافية والمساءلة. فالمستقبل يعتمد علينا، وعلى قدرتنا على تجاوز هذه التحديات.