التعويم أو تحرير سعر الصرف هو نظام اقتصادي تُحدد فيه قيمة العملة الوطنية بشكل كامل وحر بواسطة قوى العرض والطلب في سوق العملات الأجنبية، دون أي تدخل مباشر من البنك المركزي، هذا يختلف عن نظام سعر الصرف الثابت، حيث تقوم الحكومة أو البنك المركزي بتحديد قيمة العملة وإلزام السوق بها.
يوجد نوعان أساسيان من التعويم
التعويم الحر: في هذا النظام، يترك البنك المركزي سعر الصرف ليتحدد بالكامل من خلال قوى السوق، لا يتدخل البنك المركزي إلا في حالات نادرة جدًا، فقط للحد من التقلبات الشديدة التي قد تضر بالاقتصاد، هذا النوع من التعويم يتم تطبيقه في الاقتصادات الكبرى والمستقرة مثل الولايات المتحدة واليابان
التعويم المُدار (أو الجزئي): هو النظام الأكثر شيوعًا في الدول النامية، في هذا النظام، يُترك سعر الصرف ليتحدد بناءً على العرض والطلب، لكن البنك المركزي يتدخل بشكل دوري لضبط السعر إذا شهد تقلبات كبيرة، يتم هذا التدخل عن طريق بيع أو شراء العملات الأجنبية (مثل الدولار) في السوق، بهدف توجيه السعر في اتجاه معين وتحقيق الاستقرار
التعويم في مصر.. أسبابه وتداعياته
اتخذت مصر قرارًا بتحرير سعر صرف الجنيه لأكثر من مرة، كان أبرزها في عام 2016، وجاء هذا القرار نتيجة لعدة ضغوط اقتصادية.
القضاء على السوق السوداء: قبل التعويم، كان هناك سعران للدولار: سعر رسمي تحدده البنوك، وسعر آخر أعلى بكثير في السوق الموازية، وهذا الوضع تسبب في نقص حاد في الدولار لدى البنوك، مما أعاق حركة الاستيراد والتجارة، وكان التعويم يهدف إلى توحيد سعر الصرف والقضاء على هذه السوق
نقص العملة الأجنبية: عانت مصر من نقص شديد في مواردها من العملة الصعبة، سواء من السياحة أو الاستثمار الأجنبي المباشر. التعويم كان خطوة ضرورية للحصول على قروض ومساعدات من مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي، والتي تشترط تحرير سعر الصرف
تحفيز الصادرات والاستثمار: من خلال خفض قيمة الجنيه، تصبح المنتجات المصرية أرخص للمشترين الأجانب، مما يزيد من القدرة التنافسية للصادرات المصرية في الأسواق العالمية ويشجع الاستثمار الأجنبي المباشر
اقرأ أيضًا: بين التعويم والانسحاب الحكومي.. خبير يكشف لـ«بلد نيوز» أسباب تأجيل صندوق النقد الدولي لمراجعة قرض مصر
مثال بالأرقام على تأثير التعويم
لنفترض أن سعر صرف الدولار كان ثابتًا عند 8 جنيهات، بينما كان سعره في السوق السوداء 16 جنيهًا.
قبل التعويم
لشراء سلعة مستوردة تكلفتها 100 دولار، كان المستورد يحتاج إلى 800 جنيه (100 × 8)، لكن الحصول على الدولار بهذا السعر كان صعبًا جدًا
لذا، كان المستوردون يضطرون لشراء الدولار من السوق السوداء، مما يكلفهم 1600 جنيه (100 × 16)، هذا أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع المستوردة.
بعد التعويم
قرر البنك المركزي تحرير سعر الصرف، مما أدى إلى انخفاض قيمة الجنيه
ارتفع سعر الدولار في البنوك ليصل إلى مستوى قريب من 16 جنيه، وربما يتجاوزه قليلًا بناءً على قوى السوق، وأصبح الآن سعر السلعة المستوردة 1600 جنيه في البنوك، وهو نفس سعرها في السوق الموازية.
نرشح لك: لعبة الأرقام الكبرى.. كيف يحدد ميزان المدفوعات مصير اقتصادك؟ (تفاصيل)
التداعيات الاقتصادية
تضخم: ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير لأن تكلفة الواردات زادت بشكل حاد، وهذا يؤثر بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين
توازن مالي: ساعد التعويم على جذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة حصيلة الصادرات، مما قد يساعد على سد الفجوة التمويلية وتقليل الضغط على العملة
ثقة المستثمرين: توحيد سعر الصرف يعطي إشارة إيجابية للمستثمرين بأن السوق أكثر شفافية واستقرارًا، مما قد يشجعهم على ضخ استثمارات جديدة
نرشح لك: كيف تُهدد “الأموال الساخنة” استقرار السوق المصري؟ (تفاصيل)
باختصار، التعويم هو أداة اقتصادية قوية تهدف إلى تصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، لكنه غالبًا ما يأتي مع تبعات تضخمية في المدى القصير، قبل أن يبدأ في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
يجب أن يتم التعامل مع التعويم بحذر، حيث أن تأثيراته تتطلب استراتيجيات متكاملة لتحسين الظروف الاقتصادية.
إن فهم ديناميكيات التعويم يساعد على اتخاذ قرارات اقتصادية أفضل، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.