تعديلات قانون الرياضة الجديد.. جدل “بند الـ 8 سنوات” وشبهة عدم دستورية التطبيق بأثر رجعي تثير انتقادات قانونية

تعيش الساحة الرياضية المصرية حالة من الجدل القانوني والسياسي بعد الإعلان عن مشروع تعديلات قانون الرياضة الجديد، الذي لا يزال ينتظر الإقرار النهائي من مجلس النواب المصري، وسط تركيز خاص على بند تحديد مدة مجلس إدارة الهيئات الرياضية، سواء الأندية أو الاتحادات، بـ 8 سنوات كحد أقصى، مع نية لتطبيق هذا البند بأثر رجعي، وهو ما أثار انتقادات قانونية حادة.
قانون الرياضة الجديد.
الشق القانوني والدستوري: “مبدأ عدم رجعية القوانين”
وقد نشر المحامي محمد رشوان، المتخصص في الشؤون القانونية الرياضية، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تحليلاً قانونيًا شاملاً أوضح فيه أن تطبيق بند الـ 8 سنوات بأثر رجعي يُعد مخالفة صريحة للدستور المصري، مؤكدًا أن هذا المبدأ لا يقتصر فقط على الدستور المحلي، بل هو أصل راسخ في أغلب دساتير العالم.
واستشهد رشوان بدساتير الولايات المتحدة الأميركية (الجزء الأول، الفقرة السادسة)، والبرازيل، وكندا، بالإضافة إلى النظام القضائي في إنجلترا، الذي – رغم عدم النص عليه صراحة – يلتزم بأعراف قضائية قوية تمنع تطبيق القوانين بأثر رجعي.
ووفقًا للمادة 95 من الدستور المصري: “لا عقوبة إلا بنص قانوني، ولا توقع إلا بحكم قضائي، ولا توقع العقوبة إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”
وهذا النص يُغلق الباب أمام أي محاولة لفرض جزاءات أو حرمان من الترشح استنادًا إلى نصوص لم تكن سارية وقت وقوع “الفعل”، أي الترشح أو الانتخاب لمجلس إدارة سابق.
المحامي محمد رشوان.
الاستثناء الوحيد: “القانون الأصلح للمتهم”
يشير رشوان، إلى أن هناك استثناءات نادرة أوردها المشرّع المصري في المادة 5 من قانون العقوبات، وهي إمكانية تطبيق القانون بأثر رجعي فقط إذا كان أصلح للمتهم.
وأوضح بمثال واقعي: “إذا صدر حكم نهائي على متهم في قضية لا يُسمح فيها بالتصالح، ثم صدر قانون جديد يتيح التصالح، يحق للمتهم أن يستفيد من القانون الجديد حتى ولو نفذ العقوبة بالكامل، مضيفًا أن هذا الاستثناء لا ينطبق على قوانين تُقيد الحقوق السياسية أو الإدارية مثل الترشح، لأن تلك تحكمها مراكز قانونية مستقرة لا يجوز المساس بها بقوانين لاحقة، خصوصًا في السياقات الديمقراطية”
الجمعيات العمومية هي صاحبة القرار
من أبرز النقاط التي أثارها التقرير القانوني لمحمد رشوان هو أن المشرّع المصري نفسه منح الجمعيات العمومية الحق الكامل في اختيار مجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية، من خلال لوائح خاصة تعتمد من اللجنة الأولمبية المصرية.
وأضاف أن اللجنة الأولمبية الدولية تشدد على هذا المبدأ في جميع أنحاء العالم، وتمنع التدخل الحكومي في تشكيل مجالس الإدارة، كما حدث في تجربة نادي الزمالك، عندما تم اعتماد لائحته الخاصة أثناء فترة تولي المستشار مرتضى منصور، وإذا ما تم التدخل الحكومي في تشكيل مجالس الإدارة تعاقب الدولة بوقف النشاط الرياضي بها.
تضارب مع التوجه نحو الاستثمار الرياضي
يشير التقرير إلى أن الدولة المصرية أعلنت عن خطة لتحويل الأندية الرياضية إلى شركات مساهمة واستثمارية، مما يتطلب تحريرًا كاملاً لآليات الإدارة والحوكمة داخل الأندية.
ويرى رشوان، أنه من غير المنطقي أن تتحكم الدولة في عدد مرات انتخاب مجلس إدارة نادٍ من المفترض أن يصبح كيانًا اقتصاديًا مستقلًا.
وأضاف: “لم نسمع عن شركة مساهمة خاصة تُقيد بحد أقصى لمرات انتخاب مجلس إدارتها بقرار من الدولة”
وزارة الشباب و الرياضة.
النص في حال إقراره بأثر رجعي سيبطُل دستوريًا
يلخص المحامي محمد رشوان موقفه قائلًا إن تطبيق بند الـ 8 سنوات بأثر رجعي سيمثل خرقًا دستوريًا واضحًا وتهديدًا لاستقرار المراكز القانونية، فضلًا عن تعارضه مع التوجهات الحديثة لتحرير الرياضة المصرية وتحفيز الاستثمار.
كما أشار إلى أن التدخل في صلاحيات الجمعيات العمومية أو فرض قيود بأثر رجعي سيعرض القانون للطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، مع احتمالات عالية للحكم ببطلانه.
لا تزال التعديلات محل نقاش في مجلس النواب، ومع تصاعد الأصوات القانونية الرافضة لتطبيق بعض البنود بأثر رجعي، ومنها بند 8 سنوات في انتخابات الأندية والاتحادات، لذلك يبدو أن الطريق أمام إقرار القانون بشكله الحالي لن يكون سهلًا، فهل يستجيب البرلمان لهذه المخاوف؟ أم نشهد صدامًا جديدًا بين القانون والدستور؟
يبدو أن الساحة الرياضية بحاجة إلى حوار مجتمعي شامل يضم جميع الأطراف المعنية للوصول إلى توافق يضمن تحقيق الأهداف المرجوة دون المساس بالحقوق القانونية للأفراد.
التحديات الحالية تتطلب رؤية واضحة وخطوات مدروسة تضمن استقرار الرياضة المصرية وتساهم في تعزيز الاستثمار فيها بما يعود بالنفع على المجتمع ككل.